حول خيارات الصورة فى Ex Machina

كتب Amgad Gamal  |  نشر في :  5:30 م 0


هذه كانت اللقطة الأولى التى تجمع ناثان بكاليب، وفى هذا الكادر تتوسط العمدان السوداء المسافة بينهما قاطعة إياها بشكل عمودى وهى بذلك تعمل عامل تأطير للعمق، ما يوحى من البداية بوجود حاجز أو فاصل بين عوالم الشخصيتين، وتباين وصدام بين أفكارهما، رغم الحميمية المفتعلة التى يتسم بها اللقاء. نفس أسلوب التأطير العميق يتكرر فى المشاهد التى تجمع بين كاليب وآفا وإن ظهر فيها بشكل أكثر فيزيائية وصلابة من هذا المشهد، ولكن بصفة عامة يمكننا القول بأن أسلوب تأطير العمق كان الدال الأبرز على الصراع الثلاثى فى الفيلم.

 
 
بعد الجلسة الاختبارية الأولى بين كاليب وآفا، يجتمع كاليب مرة أخرى بناثان ليعطيه رأيه المبدئى فى آفا. نرى كاليب فى هذه اللقطة وقد تلاشت ريبته وعدم أريحيته التى ظهرت فى بداية الفيلم وأخذ هنا فى الإندماج مع العالم الجديد، فهو يضحك ويحتسى البيرة ويتناقش مع ناثان بشغف، لكن الأهم هو خلفية الكادر والتى كانت نافذة شفافة تطل على منظر طبيعى حقيقى يظهر من نافذة المنزل، يعطى كاليب ظهره للمنظر الطبيعى بما يتناغم مع التجربة التكنولوجية التى تحدث فى المنزل والتى كانت هى الأخرى تعطى ظهرها للطبيعة. توحى اللقطة بعبقرية عن الصدام بين الحقيقى وهو الطبيعة وبين المصطنع وهو التجربة، وأيضاً توحى بتطور وضع كاليب فى دراما الفيلم وعملية اصطياده بالتدريج ليتخلى عن كونه الشىء النقى الوحيد بالفيلم.

 

فى الفيلم كانت السمة البارزة فى زوايا التصوير هى ارتفاع من يتحكم أو يسأل. فى هذا المشهد يقوم ناثان بالضغط على كاليب للقبول بصفقة العمل، ونراه يعلو كاليب فى الكادر، لأنه فى الموقف الأقوى والأكثر ثقة وتحكم.
 


هذه اللقطة هى إمتداد للقطة السابقة ولكن للإمعان بالتحكم، لم يكتفى الكادر بوضع ناثان أعلى من كاليب بل جعل الشخصيتين تتمركزان فى أقصى يمين الكادر، ما يزيد ويفاقم حالة الحصار والضغط الواقع على كاليب.



فى هذه اللقطة تتبدل الأمور، فيصبح كاليب هو الأعلى، لأنه بدأ يفهم الخدعة والمصيدة التى وضعه بها ناثان، فهو الآن من يطرح الأسئلة والإتهامات والشكوك، لذا فهو يتخذ الموقع الأعلى فى الكادر.


 
نلاحظ منذ اللقاء الأول بين كاليب وآفا أن التكوين البصرى دائماً ما يوحى بما هو غير مريح، فإما أن الشخصيات تقف، أو تسير، أو تجلس متناظرة ولكن الارتفاعات وزوايا التصوير كانت تعطى أفضلية لأحدهما على الآخر، والحركة توحى بوجود توتر بينهما. أما هذه اللقطة فهى الأولى بينهما التى تجعلهما متساويين تماماً وسكونهما يعطى شعوراً بالأريحية. السبب أن آفا أخيرا ارتدت الملابس والشعر الذى يجعلها تبدو كأنثى جميلة. وقد جائت اللقطة للتدليل على مولد الشرارة الأولى لانجذاب جنسى بين الشخصيتين. فتساوى ارتفاعهما بالكادر للمرة الأولى ما هو إللا إشارة على تكون رابط جديد وقوى بينهما وهو الجنس.

 

بعد أول لقاء بين كاليب وآفا يوجه ناثان سؤاله لكاليب: "بماذا شعرت نحوها؟ لا أريد منك رأى تحليلى، فقط أريد أن اعرف بماذا شعرت". يأخذنا ذلك إلى الخيط الأول فى صراع رئيسى فى الفيلم يدور بين العقل والعاطفة، وهذه اللقطة التى تنعكس فيها صورة آفا على الزجاج تمثل ذلك الصراع الذى كان بطله ناثان، كيف يرى آفا؟ بعاطفته أم بعقله؟ لآفا صورتان فى هذه اللقطة تعبران عن الحيرة والإختبار بالخيارات التى أمام ناثان.

 

فى هذه اللقطة يقدم الفيلم نظام التأطير المتعدد Multi-Framing، كأداة بصرية للتعبير عن حالة السجن والخناق التى تعيشها آفا فى قصر ناثان. الإطار الأول نافذة مستطيلة تطل على الخارج حيث بعض النباتات. والإطار الثانى يشمل الأول وهو سقف الغرفة مع فواصل الحوائط. أما الإطار الثالث فهو شاشة "اللابتوب" التى يتابع من خلالها ناثان المنظر وهى تحوى داخلها الإطار الاول والثانى. أما الإطار الرابع فهو إطار الفيلم الأساسى والذى يجمع الثلاثة إطارات الداخلية، وتكون آفا فى الوسط داخل كل تلك الأطر.


  يبرز هذا المشهد اشتياق وجوع آفا لتؤكد على حريتها من ناحية، وعلى كونها أنثى جميلة من ناحية أخرى. ومن أجل تمثيل هذا الجوع بصرياً فقد اُستخدِمَت المرايا لتأكيد هذه الحالة وتضخيمها من مرة إلى خمس مرات، نرى فيها جسد آفا مكتمل الأنسنة والجنسنة فى آن واحد.


سنعود لهذه اللقطة مرة أخرى، لكن ما يهم توضيحه الآن، هو أن آفا فى طريقها للحرية فهى تتجه من الزاوية اليسرى للكادر التى تحجب عنها الجبال ضوء الشمس وفى طريقها للزاوية اليمنى حيث الإضاءة الكاملة والخروج من الظل نحو النور، ولتكون إنساناً طبيعياً فهى تسير لأول مرة بالعالم الحقيقى.



آفا الآن أصبحت، ظاهرياً، حرة ومكتملة الأنسنة. فهى تسير بين البشر بصورة طبيعية، لكن ما نلاحظه أن الكادر يجمع ثلاثة ظلال، آفا على اليمين، وعلى يسارها حبيبين/زوجين متشابكا الأيدى فى صورة حميمية، وهو ما يسبب الصدمة الأولى ويطرح التساؤل المؤجل، وهو هل آفا حقاً حرة؟ أو بالأحرى هل هى بالفعل إنسان؟ هل نجح اختراع ناثان؟


فى اللقطة التالية تخرج ظلال الحبيبين من الكادر، ويبقى ظل آفا وحده وهى واقفة ساكنة لا تتحرك بينما الجميع يتحركون. الأهم هو أن الكاميرا لا ترصد آفا نفسها بل انعكاسها، الكاميرا أيضاً مقلوبة عن وضعها الأساسى، ما يوحى بأن هناك خطب ما، شيئاً مفقوداً، إنسانية غير مكتملة، وحرية بلا معنى.



الآن هذه اللقطة ترغمنا على العودة للقطة التحرر التى سارت فيها آفا بين النباتات والجبال والطبيعة، والتى كانت لقطة صافية بلا تشوش كدليل على يقين آفا لحظتها بأنها استردت حريتها، بينما هذه اللقطة النهائية فهى مشوشة لأنها ملتقطة من وراء زجاج. هذا التشوش يشكك بوهم آفا السابق بأنها حرة أو إنسان. لعدة أسباب أهمها أنها وحيدة، لا تملك مشاعر، ولا ذاكرة، ولا عاطفة، ولا يهتم لأمرها أحد. غريزة البقاء ليست وحدها ما يجعلنا بشراً، ولا الذكاء، ولا حتى الحرية والاستقلال، بينما هى تنويعة بين عديد من التناقضات، الحماقات، الأساطير، العاطفة، والأوهام. فالحرية خارج اللُحمة الإنسانية ستؤدى فى النهاية إلى سجن من نوع آخر، وهو سجن الوحدة والإغتراب.

شارك الموضوع



0 التعليقات:

back to top